نهج الهند الملائم في مواجهة التحديات الجيوسياسية
  • 2022-05-26

بالتزامن مع حضور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لأول مرة اجتماع قمة مجموعة الحوار الأمني الرباعي (Quad) في سبتمبر/أيلول 2021 في البيت الأبيض, من أجل تشكيل مجموعة ثلاثية أمنية جديدة رفقة دولتين من اتحاد الكومنولث هما استراليا وبريطانيا، كان وزير الخارجية الهندي سوبرامنيام جايشانكار مشغولاً بلقاء نظرائه من ايران وروسيا والصين.

 

ورغم تطمينات الولايات المتحدة باستمرار ارتباطها وتواجدها بالمحيط الهندي، فإن نيودلهي عملت على أخذ إجراءات الحيطة خشية من تحركات واشنطن المستقبلية التي يصعب توقعها. خاصة بعد إنشاء تحالف (أوكوس) الأمني الذي استراليا واميركا وبريطانيا، وتأكيد واشنطن بأن هذا التحالف سيشكل إضافة ولن يضر مجموعة الحوار الأمني الرباعي (Quad)

إلا أن تحركات أميركا أثارت مخاوف فرنسا أيضاً التي عبرت عن حسرتها لتزايد ضعف التحالف عبر الأطلسي.

ففي هذا العالم سريع التغير من التحالفات المتعددة والمتقلبة، توصلت الهند أخيرًا تبني سياسة خاصة عبر عنها وزير الشؤون الخارجية سوبرامنيام جايشانكار في كتابه "طريق الهند: استراتيجيات للتعامل مع عالم غامض"

ويتمثل جوهر حجة جايشانكار في أنه مع تغير توازن القوى العالمي ومواجهة تحديات أمنية واقتصادية كبيرة، سيتعين على الهند تعزيز "مصالحها الوطنية من خلال تحديد واستغلال الفرص التي أوجدتها التناقضات العالمية" واستخراج المكاسب منها.

وافترض وزير خارجية الهند أنه من ملامح العالم الذي يتشكل سيكون "التقارب مع دول كثيرة ولكن التطابق لن يكون مع أحد" لذا يجب أن تكون الدبلوماسية الهندية سريعة ومرنة وأن يتم تحديد "إستراتيجيتها الكبرى" بحكم الضرورة من خلال "موازنة المواقف"

مؤخراً، قال جايشانكار إن عدم الانحياز كان مفهوماً متأصلاً في فترة معينة وسياق خاص، لكن الهند تبقى حريصة دوماً على استقلاليتها في قضايا السياسة الخارجية. ثم استدرك الوزير بأن عدم الانحياز كان سياسة تم صياغتها في فترة الحرب الباردة للحفاظ على استقلالية القرار بعيداً عن المعسكرين الشرقي والغربي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

ويضيف جايشانكار بأن حركة عدم الانحياز التي كانت سوريا عضو مؤسس فيها، عملت على توفر منصة للدول النامية المستقلة حديثاً كي تنضم معاً وتحمي سيادتها. لكنها كانت مجموعة متباينة من الدول وفي قارات مختلفة، تجمع بينهم درجات متفاوتة من القرب عن كتلة أو أخرى، إلا أنهم متحدون على نطاق واسع حول الحملات الرئيسية لحركة عدم الانحياز من أجل إنهاء الاستعمار ونزع السلاح النووي العالمي والقضاء على الفصل العنصري.

وزير خارجية الهند يرى أن الوقت مناسب الآن لنيودلهي من أجل "موازنة علاقتها مع الولايات المتحدة, واحتواء الصين, وتقوية الروابط مع الاتحاد الأوروبي, وتعزيز شراكتها مع روسيا, وإشراك اليابان, وتقوية العلاقات مع المحيط وفق مبدأ حسن الجوار, وتفعيل عناصر القوة الهندية التقليدية", ولكن جايشانكار ينبه من أن تحقيق تلك الأهداف ليس بالأمر السهل في عالم يزداد تعقيداً. إلا أن نيودلهي يجب أن تسلك ذلك المسار دون الخضوع لإغراء المكاسب المؤقتة والعابرة.

لسنوات, ظل العديد من خبراء السياسة الخارجية يدعون بقوة الهند لأن تصبح عضوًا كاملاً في تحالف تقوده الولايات المتحدة. لكن حماسهم البادي للعيان، يجهل الصورة الذاتية للدولة الهندية وطبيعة نظام الحكم فيها.

سيكون للهند دائمًا طريقتها الخاصة للتعامل مع الأمور حتى عندما تختار أيضاً العمل بشكل وثيق مع الدول الأخرى. بهذا المعنى، وعلى مدى سنوات كان هناك استمرارية وثبات أكثر من التغيير في السياسة الخارجية الهندية.

ومع ذلك، في عالم سريع التغيير، يتعين على كل أمة، كبيرة كانت أم صغيرة ، أن تظل متيقظة  للتغيير والاستجابة وفقًا لذلك.

قد يتحرك العالم في اتجاه نظام ثنائي القطب، حيث تقود الولايات المتحدة ما يُطلق عليه اسم "العالم الإنجليزي" والصين تكون على رأس "العالم الصيني"، لكن معادلات القوة العالمية في حالة تغير مستمر في الوقت الحالي. حتى لو دفعت الولايات المتحدة والصين بعض الدول إلى الالتفاف وحولهما، ستظل دول كثيرة أخرى مستعدة وقادرة على الاحتفاظ ببعض المساحة الاستراتيجية.

مثل هذه المجموعة من البلدان، والتي يمكن وصفها بأنها "القوى الوسطى"، ستضم البرازيل وفرنسا وألمانيا والهند واليابان وروسيا وفيتنام. ومن المحتمل أن تكون "القوى الوسطى" الأخرى إيران ونيجيريا ومصر.

لن تكون مجموعة القوى الوسطى جامدة أو متشابهة في التفكير في كل قضية. ستكون هناك خلافات حادة حول مجموعة من القضايا بما في ذلك الانتشار النووي والتجارة وتغير المناخ.

وقد تكون هناك حالات عندما تقترب روسيا من الصين, وتعمل الهند على موازنة علاقاتها مع اميركا, ثم تقع أحداث كبرى مثل الحرب في أوكرانيا, ونرى كيف أن الهند تتخذ موقفاً محايداً خاصاً بها وتمتنع عن التصويت ضد روسيا في مجلس الأمن, ما تم اعتباره في الغرب على أنه دعم لروسيا.

 أما في الشرق الأوسط حافظت الهند وطورت علاقات مع دول الخليج, وفي الوقت نفسه, أبقت على علاقات اقتصادية جيدة مع ايران.

و منذ الأزمة في سورية عام 2011 تمسكت الهند بعلاقاتها مع دمشق رغم ضغوط واعتراض اًميركا والاتحاد الأوروبي.

 في هذا العالم المعقد, فإن التحول في سياسة الهند الخارجية من عدم الانحياز إلى مواءمة المواقف هو تحول واضح ومن المحتمل أنه ضروري لتأمين مصالحها الاقتصادية والسياسية.

من جهته, قال قيرات ساريباي، المدير التنفيذي لمؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا (CICA) المنظمة التي تضم 27 دولة, إن انتقال الهند من سياسة عدم الانحياز إلى مواءمة المواقف هي سياسة مثلى من أجل تعزيز الحوار والديمقراطية. وأضاف أن توجه نيودلهي الجديد يمكنه أن يقدم حلولاً لمواجهة التحديات الجيوسياسية الكبرى.

تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :